top of page
  • Writer's pictureAl Mujahid

المفكر القومي صلاح المختار - حقدونيا

قيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي


حقدونيا


صلاح المختار


" الحقد موجّه سيء في السياسة " – لينين


عندما قرأت العبارة السابقة للينين - قائد الثورة الروسية - قبل عقود حفظتها جيداً لأنها حقيقة نرى آثارها في واقع العالم كله فحيثما صار الحقد موجِها ضاعت الحقيقة والحقوق وهيمنت المشاعر المتطرفة المعادية لآخرين وأصاب عمى الضمير قبل عمى العيون من يقع أسيراً للحقد ، وفقد الإنسان جزء كبيراً من إنسانيته .

لقد اكتشفت بحكم التجربة الطويلة بأن الحقد ليس موجها سيئاً في السياسة فقط بل هو الموجه الأسوأ فيها وفي كل الحياة ، لذلك ، فإن حصر لينين ضرر الحقد في السياسة ضيقة ، ولو فتشنا في الأحداث الكبرى في التاريخ لوجدنا أن الدافع الأقوى المخفي والسري في حالات كثيرة لم يكن الخلافات العامة ومنها السياسية بل الأحقاد والتي تتولد في أشد صورها ضرراً من التنافس والغيرة المنفلتتين رغم تعمد إخفاء الدافع وتحويله إلى سر الأسرار .

اكتب هذا المقال لأنني واجهت شخصاً مصاباً بحالة مرضية بكل ما تعنيه كلمة مرضية من معنى طبي أو نفسي ، هذا الشخص كبير السن كان حزبياً – وليس بعثياً - ولم يكن قيادياً ولكنه استفاد من حكم البعث بإرساله للدراسة في الخارج وحصل على شهادة علمية محترمة ، وشغل مناصب تتناسب وشهادته وخبرته ولم يتعرض لأي غبن لكنه كان أسير تربية سيئة قامت على الحسد والغيرة من كل متفوق عليه في أي مجال ، وبدلاً من تذكر أنه حصل على شهادة محترمة وأنها كافية لرفع مقامه أخذ ينكل بكل ناجح ليبقى الناجح الوحيد ، ووصل به الحال إلى التنكيل بالشهيد صدام حسين الذي مكنه من الحصول على شهادته ! .

فبالرغم من أنه كان حزبياً إلا أن عقدته الواضحة جداً هي أنه لم يصبح قيادياً وزادت هذه العقدة ضرراً وضراوة بنيله الشهادة العلمية فخلط بينها وبين الموقع الحزبي فاستولت عليه فكرة شيطانية وهي أنه أحق من غيره بالمواقع القيادية استناداً إلى شهادته العملية ! ، وهذا الخلط بحد ذاته مرض نفسي خطير لأنه يورط صاحبه بمواقف وسلوكيات مذمومة تضعه في سجن العزلة عمن يتعرف عليه ، فالناس لا تحب من يتصور نفسه العبقري الوحيد والأفضل من غيره ويتعمد التقليل من شأن الآخرين ، ولكي يتمكن من تعزيز شعوره بأنه أفضل ممن تولوا مواقع قيادية في الحزب كان يتملق ويتقرب من قادة فيه ليعرف منهم معلومات يتاجر بها لتصوير نفسه أنه قيادي ! ، وهذا سلوك مذموم أيضاً ، والتملق عادة يقترن بابتسامة صفراء دبقة تسيل فوق صفحات وجه المتملق وتثير القرف منه ! .

هذا الشخص التقيت به مرة واحدة في حياتي عندما جاء ليهنأني بتولي منصباً لي ولم أكن أعرفه ، ومنذ اللحظة الأولى لاحظت الغيرة والحسد وهما يتسللان بخفة لص إلى تقاطيع وجهه ويقودانه إلى فقدان القدرة على السيطرة عليهما وأدركت فوراً أنه يشعر بأنه أجدر مني بهذا الموقع ! ، وتأكدت من ذلك الانطباع بعد ربع قرن حينما جاهر بأنه أجدر من غيره بمواقع وظيفية وحزبية وأن من تولوها كانوا متملقين وانتهازيين ، حدسي في اللقاء الأول معه كان صحيحاً وكنت أتمنى لو كان خطأ .

وما أن أُسقط النظام الوطني حتى أخذ يمارس دوراً لا يشرف أي وطني ، ولا أقول أي بعثي ، ممارسته وهو الهجوم على الشهيد صدام حسين بمناسبة وبدون مناسبة وتحميله مسؤولية كل ما حصل من كوارث في العراق والوطن العربي والعالم ! ، فحقده الدفين على صدام أوصله حد اتهامه بأنه أصل مشاكل كل العالم وليس العراق والوطن العربي فقط ! ، وهذا الحقد الغاطس في مشاعر مضطربة ناتج عن عقدته الأصلية وهي شعوره المرضي بأنه أفضل من غيره ليس إلا ، وصعود صدام بفضل قدراته القيادية في الحزب ثم في الدولة كان مثار عواطف الغيرة الساخنة رغم أنها غير مشروعة ولا أخلاقية ! .

هكذا شخص يتوهم أنه أذكى وأكفأ من غيره ويجب أن يكون دائماً في الصف الأول ! ، ومما يزيد عقدته هذه مراعاة البعض لسنه وعقدته ومجاراته لهذا يتصور أن على الآخرين كلهم قبول ما يقوله ، فصدام بالنسبة له ( سرق الحزب ودمره ) وأنه سبب كوارث العراق بل أضاف إليها كوارث العرب والعالم !!! ، وتظهر ازدواجية هذا المريض نفسياً حينما نرى أنه غضب وفقد السيطرة على نفسه بعد أن قرأ مقالاً لعراقية كانت معادية للبعث وصدام اعترفت فيه أنها كانت على خطأ وأن والدها وهو قيادي في حزب كان مناهضاً للبعث كان على خطأ وأنها تتمنى عودة نظام رفاق صدام فطار صوابه وكتب بوحشية لا يمتلكها إلا من يقطع الرؤوس وهو يبسمل ، ( والله لو كان - ويقصد صدام - أخي أو أبي لقطعت رأسه ) !!! ، هذا الذي يتهم صدام بالقسوة والديكتاتورية يعلن أنه مستعد لقطع الرؤوس حتى لو كانت لأخيه أو أبيه ! .

هنا نرى المرض الكامن في دخيلة المرضى والذي يحاولون إخفاءه بشتى البراقع لكنهم كالقطة في السيرك تركب دراجة ويقوم أحد الخبثاء بإطلاق فأر أمامه فيعود القط إلى طبيعته ويترك دوره في السيرك ويطارد الفأر ! ، هذا الذي تخفى لفترة بمظهر الناقد المعتدل لصدام فقد السيطرة على نفسه حينما رأى فأراً يجري أمامه وهو مقال يؤكد أن صدام كان على حق فعاد القط مفترساً وفقد تدريبه .

الانسان كهف لا حدود لسعته لكنه ملغوم بطرقاته المتشعبة والتي تفقد أي دليل سياحي طريقه وفي هذه الطرق مختلف أنواع الوحوش الكاسرة إلى جنب الملائكة ، وكلما ظننت أنك عرفت الإنسان تكتشف أنك مازلت تحبو وما عرفته عنه أقل من القليل وهذا الشخص الذي يسيل الحقد والحسد والغيرة النسائية من وجهه كما تسيل سواق نتنة لمواد ثقيلة فتصيبنا بالقرف وتضعنا عند حافة التقيؤ هو مثال لغرابة الإنسان .

كنت أريد رحمة شيبته لكنه لم يحترمها ولم يحترم نفسه وتعليقاته رغم أنها محدودة النشر جداً فرضت علي أن أُلقي الضوء على ظاهرة نفسية مرضية عدوانية تجرد الإنسان من فضائلة وقيمته الاجتماعية والعلمية مهما علت .

أُكرر التأكيد : هذا المقال ليس نقداً لشخص بل لظاهرة ولذلك لم أذكر الاسم ، فنحن نتعامل بالدرجة الأولى مع ظواهر أكثر مما نتعامل مع أفراد .

Almukhtar44@gmail .com

28-1-2019

56 views0 comments
أكثر من مائة شهيد أغلبهم من النساء والأطفال في حادث غرق العبارة السياحية في جزيرة أم الربيعين بالموصل  
bottom of page