top of page
  • Writer's pictureAl Mujahid

ولاء السامرائي - السترات الصفراء

Updated: Jan 15, 2019

كاتبة سياسية عراقية مقيمة في فرنسا


السترات الصفراء ..

هل بدأ تصدّع الاتحاد الأوروبي ؟

ولاء سعيد السامرائي

14 ديسمبر 2018



عادت جموع الفرنسيين ليوم السبت الرابع على التوالي إلى التظاهر في أنحاء البلاد بشكل واسع وكثيف ، من دون تراجع ، بل يبدو أن هناك تصميم أكبر على المضي في الاحتجاجات والمطالبة ليس فقط بإلغاء بعض القرارات المتعلقة برفع الضريبة على المحروقات ، أو استقطاع مبالغ من المتقاعدين ، أو من المساعدات الخاصة بالسكن ، بل تطورت المطالبات إلى هتاف ذوي السترات الصفراء باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون ، وإعادة النظر بكل النظام الاقتصادي الذي يرى فيه الفرنسيون سبب تدمير اقتصادهم ، وانخفاض مستواهم المعيشي سنة بعد أخرى .

بغير ميعاد ، تأتي الاحتجاجات الكبيرة والضخمة في التاريخ ، ومنها تظاهرات السترات الصفراء التي لم تأت من فراغ ، بل من مخاض يعود إلى أكثر من عقدين ، أي منذ تم فرض عملة اليورو على دول الاتحاد الأوروبي ، وهو ما أثر كثيراً على المستوى المعيشي للطبقتين ، الوسطى والعاملة ، والأخيرة ألغيت ( قصداً ) من قاموس الإعلام ، وحتى من خطابات ساسة أحزاب اليسار منذ التسعينيات .

يوجد اليوم في فرنسا أكثر من عشرة ملايين شخص تحت خط الفقر ، ومنذ عدة سنوات ، تنزلق نسبة مهمة من الطبقة المتوسطة إلى مستوى الطبقة الفقيرة ، فمنهم من يفقد عمله وتجارته وسكنه بسبب الضرائب ومراوحة الاقتصاد ، وعدم وجود النمو المطلوب لتحريك القوة الشرائية للمواطن .

وعلى الرغم من أن فرنسا بلد غني ، وفيه أحد أفضل الأنظمة الاجتماعية والصحية في أوروبا ، إلا أن المواطن الفرنسي يشعر أنه عاش سابقاً أفضل من أبنائه اليوم ، وهو يرى أمامه إغلاق المستشفيات ، الواحد بعد الآخر ، لتقليص النفقات أو طلب مساهمته في سد عجز ميزانيات بعض الخدمات التابعة للدولة ، صعوبه تحمّل مصاريف دراسة الأبناء أو إيجاد عمل لهم ، أو حتى فترة تدريب ، إلى تقلص فرص العمل في قطاعاتٍ كثيرة ، صعوبة ممارسة الزراعة والفلاحة وتوابعها من صناعة المواد المتعلقة بهذا الميدان ، لمنافسة منتوجات الاتحاد الأوروبي أو ما يقرّره الاتحاد ، وفق علاقاته ببعض الدول غير الأوروبية واستيراداته منها ، فشهدت فرنسا ترك كثير من عمالها وفلاحيها أراضيهم ومهنهم ، لعدم إمكانية الاستمرار بتحمل نفقات العمل وكلفه ، بينما تكسر قرارات الاتحاد الأوروبي الأسعار الوطنية لصالح أسعار منتوجات الدول الأخرى . وفي ميدان الصناعة ، انتقلت غالبية المصانع إلى الدول الفقيرة منذ التسعينات ، تاركة اليد العاملة الوطنية ( المكلفة ) رواتبها بالنسبة لمدراء هذه الشركات الكبرى والمصانع إلى يد عاملة بولونية أو بنغالية أو تونسية رخيصة ، ما أدى إلى انتقال كل الصناعات الثقيلة إلى خارج فرنسا .

وكما يقول زميل صحافي ، أصبحت فرنسا ديكوراً وتقديم خدمات فقط .

مسألة نقل المصانع الثقيلة إلى خارج البلد الأم هي إحدى مشكلات البطالة التي لا يُعزى سببها فقط إلى الهجرة ، وإلى المهاجرين التي تشهدها كل الدول الأوروبية ، ومنها فرنسا ، فمصانع السيارات ، بيجو وستروين ، هي من جاءت بالعمالة الجزائرية الرخيصة قبل عقود من الأرياف ، بل تفضل الشركات الكبرى ، ومتعدّدة الجنسيات ، أصلاً العمالة الأجنبية الرخيصة غير المسجلة نقابياً ، والتي تعمل من دون ضوضاء ، ولا احتجاجات ، ولا مطالبات برفع الأجور ، ومازالت ، سواء في فرنسا أم في خارجها . ليس ذلك فحسب ، بل الأهم في المشكلات التي تواجه الفرنسيين ارتباط النظام المالي للدولة بالنظام البنكي الخاص ، وليس بالبنك الوطني ، ما سبب ديوناً تتعدى ألفي مليار ، تعاني منها الميزانية الفرنسية ، كما دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ، المرتبطة بالبنوك الخاصة المعروفة ، والتي أصبحت ديونها للدول ريعاً مهماً وضخماً وبئر ذهب تملأ خزائنها ، ينشر مشكلاته العميقة في نسيج المجتمعات الأوروبية التي وصلت دولها إلى حد الإفلاس التام ، كما حصل في اليونان ، ولا يزال ، حتى أن هذه البنوك قد عرضت إعطاءها جزرها الأربعمائة لتسديد الديون ، فمنذ عام 1973 ، وهو تاريخ القانون ، المسمى قانون روتشيلد على اسم البنك ، والدولة الفرنسية ، ومنذ عهد الرئيس جورج بومبيدو ، مجبرة على الاقتراض من هذا البنك الخاص بفوائد ، وليس من البنك الوطني خالي الفوائد ، لتسديد قروضها ، ولتسيير عمل الدولة الذي كان ، في بداية الأمر ، مفيداً لبناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية ، ولكن ، الاستمرار بهذه الميكانيكية أصبح بمرور الزمن عبئاً كبيراً على الدولة وميزانيتها ومواطنيها ، وحتى استقلالها المرتبط به ( الدولة أسيرة البنك ) ، ليتطور إلى عجز هائل ، يتطلب الفكاك منه شجاعة كبيرة ، خصوصا أن الرئيس ماكرون ، كما الرئيس جورج بومبيدو ، هما من كبار موظفي بنك روتشيلد .

ألغي هذا القانون عام 1994 ، لكنه ، وبفضل معاهدة ماستريخت ، ساد في الاتحاد الأوروبي ومعاهدة ليشبونة عام 2009 التي تطبقها فرنسا بحذافيرها .

هكذا اصبحت كل دول الاتحاد الأوروبي بعد الحرب الثانية أسيرة هذا النظام ، يفعل بها ما يشاء ، ويقرّر إدارتها وحكمها ، وهذا ما حدا بالمستشار السابق للرئيس فرانسوا ميتران ، ومن بعده نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون ، إلى القول إنه لم يعد هناك لأي نائب من دول الاتحاد سلطة في دولته ، بل إن سلطة الاتحاد الأوروبي وقراراته هي النافذة .

يسأل النائب نيكولا دوبن إينان ، في كتابه " احتيال القرن " : هل من المعقول أن تستدين الدولة لبناء طريق أو لإنشاء شبكة هواتف ، وتدفع 4% فوائد ، بينما كانت تقوم بذلك كله بفائدة قليلة من بنكها الوطني ؟ ، ويكتب عالم الاجتماع ، إيمانويل تودد ، إن هذه الديون غير شرعية .

كما تعرّض خيرة اقتصاديي فرنسا لهذه الديون غير الشرعية ، وكتبوا وحاضروا عنها بشكل واسع ، ولم تعد خفية كما السابق على عامة الناس ، إذ تناولها الإعلام البديل لإعلام الدولة ، ويعرف المواطنون عنها ، وكذلك خطورتها عليهم ، كما على الدولة الفرنسية وكل دول الاتحاد الأوروبي التي يتعلق اليوم مستقبلها ومستقبل أجيالها وشعوبها بهذه البنوك الخاصة ، ومنها البنك الدولي التابع والبنك الفيدرالي الأميركي . لقد شيطن الإعلام حركة السترات الصفراء ، واتهمت بالتآمر ، وبأنها حركة فقط من اليمين واليسار المتطرفيْن ، كما تمت شيطنة كل المدافعين عنها من السياسيين ، مثل النائب فرانسوا روفن ( من حزب فرنسا غير الخاضعة ) الذي صرح بأن الشرطة قد حرّرت بشأنه ملفاً تتهمه بقلب نظام الحكم وجان لوك ميلنشون رئيس الحزب نفسه ، بل وأيضا تتم شيطنة بعض الشخصيات والنقابات المساندة ، لكن أهم ما يقدم للمشاهد في الإعلام الحكومي وتوابعه هو العنف المصاحب للتظاهرات ، واتهام من يريد التظاهر والاحتجاج بأنه من المشاغبين اللصوص ، ومن المخرّبين الذين يستهدفون رموز الدولة ، ويتآمرون عليها ، بينما العنف الأكبر والأخطر هو العنف الذي يعيشه المواطنون الفرنسيون منذ عقود ، ففي تقرير صدر أخيراً ، 1% من أصحاب أكبر الثروات في فرنسا احتكروا 82% من الغنى المنتج في العام الماضي ، وهذا الإنتاج هو ثمرة اليد العاملة التي تهبط قوتها الشرائية بشكل منتظم ، والتي تمنع عنها زيادة الرواتب .

السترات الصفراء هم الشعب وهم الديمقراطية ، هم الثورة ، هم ليسوا يميناً ولا يساراً ، ليسوا أتباع مارين لوبان اليمينية ، ولا جماعة الفوضوية ، إنهم شعب فرنسا العميقة التي سحقتها الطبقة فاحشة الثراء ، والتي تمرّر عنفها بقوانين ما يسمى الاتحاد الأوروبي ، مجمع لوبيات الاستغلال والجشع واحتقار الطبقات العاملة كلها ، وليس فقط الطبقات العاملة الفقيرة .

في وثبة أمل رائعة ، تفتح السترات الصفراء باب التاريخ الفرنسي الحديث من جديد ، لتحدث شرخاً كبيراً ، ستصدّع تبعاته المستقبلية جدار الاتحاد الأوروبي ، قلعة البنوك الخاصة التي تدكّ بمعاولها لتهديم الشعوب والأوطان وتهميشهما من أجل مزيد من الأرباح .

3 views0 comments
أكثر من مائة شهيد أغلبهم من النساء والأطفال في حادث غرق العبارة السياحية في جزيرة أم الربيعين بالموصل  
bottom of page