أمن اليمن والأمن القومي العربي
- Al Mujahid
- Dec 8, 2018
- 4 min read
يكتبها الدكتور عبده مدهش الشجري - سياسي يماني

أمن اليمن والأمن القومي العربي اليمن تحتل موقعاً استراتيجياً ، فهي تشرف على البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب وحلقة وصل بين التجارة العالمية ، وميناء منافساً للتجارة العالمية ، ليس هذا فحسب ولكن أيضاً محاذاتها لإنتاج الطاقة في الخليج الذي يمكن أن يتحكم بمسار الاقتصاد العالمي وقبلة المسلمين مكة المكرمة ، هذه الخصائص لموقع اليمن جعلها محل الأطماع الإقليمية والدولية عبر التاريخ . وعلى ضوء ذلك كانت أطماع إيران على اليمن لتحقيق مشروعها الامبراطوري التوسعي في اليمن من خلال السيطرة على ما هو استراتيجي وهو السيطرة على باب المندب طريق الملاحة الدولية والسيطرة على منابع النفط ليس في اليمن وإنما في المملكة العربية السعودية ورأس الإسلام ، مكة المكرمة ، والسعي لتدويلها وتغيير عُرى الإسلام وفقاً لنهج ولاية الفقيه ، لهذا كان الدعم للجماعة الحوثية بكل الوسائل باعتبارها ذراعاً لتحقيق الأطماع الفارسية في اليمن ، كما ويأتي ذلك متسقاً مع حسابات الأهداف الأمريكية الصهيونية ، وعندما سقطت صنعاء صرح مسئولين إيرانيين أن صنعاء أصبحت العاصمة الرابعة تحت سيطرة إيران . وصرح وزير الدفاع الإيراني دهقان مهدداً حكام المملكة العربية السعودية أن مصير صدام هو أبرز عبره لحكام السعودية ، وجاء تقرير لصحيفة ( يني شفق ) التركية أن إيران تريد الوصول إلى مكة المكرمة بالدبابات والصواريخ عبر حلفائها الحوثيين ، ومن ثم أصبح التهديد ليس لأمن اليمن وإنما لأمن المملكة والأمن القومي العربي ، لهذا استدعى رئيس الجمهورية ( هادي ) التحالف العربي لوقف التمدد الإيراني في اليمن .
من منظور نظرية الأمن القومي فأي اختراق أو تهديد لأمن قطر عربي يعد تهديداً للأمن القومي العربي ، ومن ثم ليس الحق لأي قطرعربي يستعين بدولة أجنبية لاحتلال بلاده تحت ذرائع المحافظة على أمنها الداخلي لأن ذلك سيكون تهديداً لأمن الأقطار العربية برمتها ولنا مثال في ذلك العراق ، ماذا ترتب على احتلال العراق ؟ ، وكيف انكشف أمن الخليج وتهدد الأمن القومي وتعاني اليوم الأمة من دمار وتدمير؟ ، وما يحصل في اليمن إلا نتيجة لكسر جدار البوابة الشرقية الذي حافظ عليها صدام حسين ( رحمه الله ) من الفرس ثمان سنوات ليس دفاعاً عن العراق وإنما دفاعاً عن كل الأقطار العربية ، وفي ذلك قال صدام حسين عند لقائه بمسئولي تحرير صحيفتي الوطن والجزيرة بتاريخ 10/1/1988 : ( لو وصل جيش الخميني إلى العراق فإنهم ليس فقط سيحطمون العراق وإنما سيحطمون كل مقدسات العرب التي يصلونها ) . ومعروف أن المشروع الإيراني التوسعي يستهدف كل ما هو استراتيجي ولهذا كان الانقلاب من قبل أذرعه في اليمن لم يقتصر على اليمن وإنما أيضاً يستهدف بترول المملكة والخليج ومكة المكرمة ، وعلى ضوء ذلك جاء التحالف العربي في إطار المحافظة على الأمن القومي العربي وقدم كل الإمكانيات المادية وقدم اليمانيون الدماء ليس للدفاع عن أمن اليمن وإنما للدفاع عن أمن السعودية والأمن القومي العربي ، فالتحالف لم يكن عدواناً وإنما واجباً قومياً فرضته عناصر الانتماء للأسرة العربية والقضية القومية والأمن القومي العربي الغير قابل للتجزئة . ومن المؤسف أن يطلق البعض تسمية العدوان على السعودية أو الإمارات على حربها في اليمن ضد أذرع إيران التي أضحت تهدد ليس أمن اليمن وإنما أمن الأسرة العربية الواحدة أو يطلقون على الجنود السودانيين أو السعوديين أو اليمنيين مرتزقة وكأننا شعوباً متناثرة ولسنا شعب واحد وأمة واحدة اسمها الأمة العربية ولدينا قضية واحدة اسمها القضية العربية ، كذلك من المؤسف أن يستغل العالم قضية مقتل خاشقجي ليضغط على السعودية في التخلي عن دورها في حماية الأمن القومي المهدد من قبل أذرع إيران ومن ثم يستغل ذلك الحادث ليقفز من محاكمة الجاني ليوظف في محاكمة الأمن القومي العربي بل ومحاكمة القرار الدولي 2216 ، من خلال طرح بريطانيا مشروعاً جديداً تريد الانتقاص من القرار السابق . لكن بالمقابل ينبغي ان نعترف ان هناك انحراف في مسار التحالف العربي ( السعودية والإمارات ) قاد إلى تأخير وتعقيد عملية التحرير ، من خلال تقويض قرارات الشرعية ودعم كيانات خارج الشرعية ودعم انتهازيي الانفصال ، ذلك السلوك المنحرف ( إضافة إلى تشظي القوى السياسية ) أدى إلى تعقيد المشهد اليمني واستمرار انكشاف أمن اليمن وأمن السعودية والأمن القومي العربي . ومن جانب الشرعية لا ينبغي المبالغة في عملية السيادة الوطنية على حساب الأمن القومي العربي ، بمعنى أن اليمن بإمكانها أن تتنازل عن جزء من السيادة الوطنية في سبيل السيادة القومية ، وعندما فقط يصب ذلك في تحقيق الأمن القومي والمصلحة العربية العليا ، أي يمكن أن تمنح اليمن للإمارات بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون عندما يكون الهدف من ذلك وضع حد للتهديدات الإيرانية والإسرائيلية والأمريكية أو أي تهديدات للأمن القومي العربي ، لا أن يكون في إطار أجندة خارجية تنتقص من السيادة الوطنية والمصلحة العربية ، أو يكون تحقيقاً لمصالح الإمارات المثخنة بالغنى على حساب مصلحة اليمن المعوزة بالفقر ، وهنا يصبح حالنا يئن ألماً ويقول " ظلم ذوي القربى أشد مضاضة " ، ومن ناحية أخرى بإمكان اليمن أن تتنازل بقطعة أرض للعربية السعودية على البحر العربي عندما يستدعي الأمن القومي ومصلحة السعودية ذلك ، لكن واجب الأخوة لا يمكن أن تستغل ظرف الدولة حالياً لتحقيق ظلم وانتهاك في السيادة الوطنية ، وإنما يحترم القرارات الداخلية لليمن كما تحترم اليمن القرارات الداخلية للمملكة ، فعندما فرض على اليمنيين دفع رسوم على كل فرد وطفل يقيم في المملكة ، ينبغي بالمقابل على المملكة أن تحترم القرارات الداخلية لليمن في دفع رسوم مرور أنبوب نفطها في الأراضي اليمنية ومقابل حمايتها . وعلى ذلك ، عندما تكون النوايا والسلوك تصب في تحقيق المصالح المشتركة وخدمة قضايا الأمن القومي ، لا يوجد حرج في الانتقاص من السيادة الوطنية لصالح السيادة والمصلحة العربية العليا . لكن النوايا والسلوك لا تبعث على الطمأنينة وخدمة الأمن القومي العربي ، فالعمل على تناثر الجيش اليمني في مأرب والجوف وفي تعز وجيش في الحديدة وجيش في عدن لا تصب في بناء جيش وطني يسهم في الحفاظ على أمن اليمن والأمن القومي العربي ، ولكن يأتي ذلك في خدمة نوايا المشاريع الخارجية التي تستهدف عدم استقرار المنطقة ، كما أن دعم الانفصال يأتي في إطار تهديد الوحدة والأمن القومي العربي .
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الأمن القومي لم يعد يقتصر على الجانب العسكري كما كان في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، وإنما أصبح يشمل بالإضافة إلى الجانب العسكري مجموعة من العناصر المتداخلة والمتشابكة في الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي وخصوصاً في جانب احترام الحقوق والحريات وبناء دولة القانون والمؤسسات ، ووفقاً لما عكسته حقائق انتفاضة الشعب العربي بسقوط مفهوم العسكرة ، ومن ثم يتطلب تحقيق الالتحام مع الجماهير العربية بدلاً من الانفصام والتصادم ، وعدم ارتكاز الحكم على القوة العسكرية والاحتماء بالأجنبي ، وهكذا يتطلب اليوم الاستجابة لمطالب الجماهير العربية في تحقيق المشروع الديمقراطي والذي يعد الضمانة الأساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية وتحقيق الأمن القومي . وفي إطار ذلك يتطلب من الدول العربية إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي العربي بحيث يستوعب التطورات الجديدة والمتغيرات الإقليمية والدولية ، كما يتطلب تفعيل السوق العربية المشتركة ومؤسسات الجامعة العربية بحيث تسود على المؤسسات القطرية وخصوصاً في الجانب التعليمي والاقتصادي والحقوق والحريات .
Comentarios