خبثونيا - المشهد السابع
- Al Mujahid
- Oct 25, 2018
- 6 min read
يكتبها : المناضل صلاح المختار

خبثونيا : المشهد السابع
صلاح المختار
المسرحية كتبت في عام 1897 في بازل في سويسرا والمؤلف الظاهري هو الحركة الصهيونية العالمية التي ولدت رسمياً في ذلك الاجتماع وبعدها بدات المسرحية تعرض على العالم في مشاهد تترك بين مشاهدها فواصل استراحة ، والآن نصل إلى المشهد السابع وهو مشهد شمول جزيرة العرب ذاتها بموجات الكوارث العربية ونرى في هذا المشهد جوهره وهو تصنيع كارثة أخرى ولكن بتفاصيل مختلفة عن مشاهد الكوارث التي سبقتها ، مسرحها السعودية وكافة الدول الخليجية.
في العشرة عقود التي مضت عشنا مشاهد الكوارث وهي تترى:
مشهد كارثة الأحواز ( عرض في عام 1925 ) وكان ضمها لبلاد فارس – التي أُسميت إيران لاحقاً - شرط لابد منه لتأهيلها لمنع العرب من التفرغ للمشهد القادم وهو مقاومة احتلال فلسطين من قبل الصهاينة (1948) ، ثم جاء المشهد الأكثر حسماً وخطورة وهو مشهد العراق المحاصر ووصل ذروته الدرامية بالغزو!.
وقبل أن نستفيق من هول كارثة العراق بدأ عرض مشهد ليبيا ولم ننتظر طويلاً فعرض مشهد سوريا وهي تحترق ، ولم نكد نفهم ما يجري في مسلسل الكوارث حتى تفجرت كارثة اليمن ، كل ذلك حصل وسط اضطراب كامل في فهم ما يجري وعجز عن الوصول للأسباب الحقيقية له ومن يحركه فعلاً وماذا يريد في الواقع ؟؟!! ، إنها مسرحية القرن الجديد الأكثر إثارة وسفكاً للدماء وتدميراً لمدن ومحافظات وتهجيراً للملايين ، وكل الخسائر المادية الخيالية الأرقام من العرب فقط ، وكل التهجير من العرب !! ، والآن يبدو أن موعد المشهد السابع قد حان ومسرحه بلاد الحرمين!.
ميزة هذه المسرحية الغارقة في مستنقعات الدم والخراب الشامل أنها وإن بدأ كل مشهد فيها قبل غيره إلا أنها جميعاً تشكل مسلسلاً مترابطاً:
المشهد الأول يعقبه الثاني والثالث يعقبه الرابع وهكذا إلى النهاية ! ، وكما كانت كارثة العراق بدأت بالكذب والتلفيق ومنها انطلقت جحافل الغزو وبفضلها حشدت الجيوش والرأي العام والمال والإعلام وكل شيء لضمان عرض كارثة تتوهج ناراً وتفور دما ، فإن المشهد السعودي يراد له أن يكون أيضاً مشهد شرذمة ودم ونار تحرق الأخضر واليابس .
والمشهد السابع تميز بأنه دخل مرحلة الخاشقجية عندما طلب ترامب مليارات السعودية وادعى أنه مقابل حمايتها وإلا فإنها لن تبقى أسبوعين ! ، فردت عليه السعودية قائلة ( بأننـا وجدنـا ككيـان وطني قبل أمريكا وبقينـا رغم تأمر سلفك أوباما علينـا وسنبقى ولن ندفـع )!.
هنا كان يجب تفجير أحداث أخرى درامية فعرضت علينا مسرحية جمال خاشقجي التي حظيت بأكبر تغطية إعلامية بعد تغطية الاعداد الاعلامي لكارثة العراق ، لدرجة أنه لم يسبق أن تفرغ تقريباً الاعلام العالمي والعربي لقضية عامة أو خاصة مثلما تفرغ للتصعيد ضد السعودية في قضية خاشقجي الذي تحول بعد موته إلى نجم مشهور وهنا تكمن مأساته وهي أنه لم يتمتع بهذه الشعبية والشهرة ولم يعلم بها!.
ان الضجيج وتسخير عشرات الأشخاض والجهات والدول لترويج قصة فقدان ثم موت خاشقجي على أنها ( جريمة العصر ) قام على طمر مالا يمكن لذاكرة الأحياء أن تنساه وهو أكثر من 300 إعلامي قد قتل أو اغتيل أو فقد في العراق وكانت مخابرات أمريكا وإسرائيل الشرقية وراء تلك التصفيات الدموية البشعة ومع ذلك مارست أمريكا ومازالت تمارس صمت الموتى وكأن من فقدوا إلى الأبد وكلهم مثل جمال خاشقجي في المهنة لا قيمة لهم ولا يجب إدانة قاتليهم ! ! ، واغتيلت أقطار في مقدمتها العراق وسوريا ولم يرفع صوت مسؤول غربي ! ، وقتل أكثر من ستة ملايين عراقي منذ عام 1991 وحتى الآن وهجر وشرد ما بين ستة وثمانية ملايين عراقي من ديارهم وتحولوا إلى لاجئين بفضل الغزو وحروب أمريكا علينا ، ومع ذلك مرت مرور الكرام ولم تحدث ضجة ولا طلبات محاكمة من قاموا بالإبادات الجماعية ومن دمروا محافظات وأحياء ومدن كاملة في العراق!.
وفي سوريا هجر أكثر من عشرة ملايين سوري ودمرت محافظات كاملة وهي أكبر هجرات العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، ومع ذلك لم تحدث ضجة أبداً ، وفي الأحواز وفلسطين يقتل ويجرح يومياً العشرات دون أي اهتمام حقيقي بمصيرهم ! ، ولكن خاشقجي أصبح أكثر قيمة من أقطار عربية دمرت بالكامل وأهم من عشرات الملايين من العرب الموتى والمهجرين والمشردين في القارات!!.
فلِمَ ينعى الغرب ومعه أطراف أخرى خاشقجي بطريقة متطرف الغرابة مع تعمده إهمال ملايين الحالات المماثلة ؟ ، هل حقاً أن الغرب يحترم آدمية خاشقجي ولذلك جعل قضيته أُم القضايا الآن؟.
اللافت للنظر هو أن ناعي خاشقجي ومهما تعددت الأسماء هو نفسه مبيد ملايين العراقيين والسوريين والفلسطينيين واليمنيين والليبيين ومهجر أكثر من 15 مليون عربي من وطنهم ! ، إنه أمريكا ونغولها وإسرائيل الشرقية ونغولها ، ونستطيع أن نمضي في عد الكوارث الجماعية التي لحقت بنا نتيجة أعمال أمريكية وإيرانية وإسرائيلية ومع ذلك تجاهلها الاعلام وسكت عنها ! ، فلِمَ إذاً هذه الضجيج المتطرف في قضية جمال خاشقجي والذي وصل حد هستيريا حولت من يقوم بها إلى وحش كاسر لا مثيل لوحشيته وتجرده من أي معيار موضوعي وأخلاقي؟.
1- المخرج الأمريكي يريد لهذا المشهد أن يكون الذروة التي تحصد من خلالها أمريكا تريليونات الدولارات التي تجمعت في حسابات دول مجلس التعاون الخليجي منذ أول قطرة نفط وليس تريليونات السعودية وحدها وهذه التريليونات هي السبيل الوحيد في هذه المرحلة لإنقاذ الرأسمالية الأمريكية من الانهيار الداخلي طبقا لمؤشرات واضحة أبرزها تجاوز الدين العام عشرين تريليون دولار ، ويجب أن يطفأ بما سيصادر وهو ما جمعته دول مجلس التعاون وحرصت على جعله ضمانة مستقبلها والآن حان وقت سرقة تلك الضمانة كلها وليس ربعها ولا نصفها وسط ضجيج إعلامي يسد مسارات أي خبر آخر غير مقتل خاشقجي!.
2- لماذا كانت الحملات الغربية والصهيونية تركزعلى مخاطر ( الثقافة السعودية التي تولد الإرهاب ) كما كان الإعلام الغربي يدعي وكأن الضغط يتركز على تغييرها وإحلال ثقافة تسامح وانفتاح تعطي للمراة دوراً فعالاً وتطالب بالاصلاحات خصوصاً تغيير التعليم ... الخ ، والآن عندما أخذ بن سلمان يقوم بتلك الاصلاحات خلافا للتوقعات واستجابة للضغوط الغربية ، وبغض النظر عما إذا كان مقتنعاً بها أم لا نرى الغرب يهاجم بشدة بين سلمان ، لماذا ؟ ، هل كان الغرب حقاً يريد التغيير الثقافي والاجتماعي في السعودية ؟ ، ولكن السؤال الأهم منه هو : هل من مصلحة الغرب والصهيونية إنهاء التربية السلفية التي تستنسخ الحاضر والمستقبل من ماض من المستحيل أن يعود رغم أنها –السلفية - تجهض أي مشروع نهضوي قومي عربي وتوفر تربية جعلت أمريكا المستفيد الأكبر منها لأنها كانت ومازالت خير حجج الابتزاز وشن الحروب على العرب والحصول على مئات المليارات ؟.
يقينا أمريكا هي التي تريد إفشال خطط الاصلاح في السعودية أكثر من أي طرف آخر لهذا فإن نجاحات بن سلمان في تقييد المراجع الدينية وتغيير الكثير من القوانين وإنهاء الكثير من الممارسات خصوصاً منح المرأة دوراً مهما والانفتاح الفكري شكل نسفاً للكثير من المبررات التي كانت تستغل للتعبئة ضد السعودية والعرب.
3- وما دام الغرب خصوصاً أمريكا هي المستفيد الأكبر من التربية السلفية في السعودية واقتراب بن سلمان من غلق وكرها لابد من طرح سؤال منطقي : هل الفريق الأمني السعودي الذي قتل خاشقجي مخترق خصوصاً وإن بعض أفراده إن لم يكن كلهم تدربوا في أمريكا ، وأحد مؤشرات ذلك وجود طبيب تشريح ضمنه ؟ ، وهل ما قام به الفريق بتوجيه من اخترقه لإيجاد مبرر تصعيد الحملة على السعودية وزيادة الضغوط عليها وإكمال شروط تفجير أزمات فيها ؟ ، أم أن مراكز القوى التي ضربت في السعودية هي المحرض ؟ ، أما إذا كان بن سلمان هو الآمر بالقتل فإنه يقوم بنسف ما حققه بنفسه وحفر سقوطه بأظافره بتقديم مبررات ذلك !.
4- لوحظ بشكل لافت للنظر مطالبات أعضاء في الكونغرس الأمريكي وفي حكومات أوربية طرح مطلب إنهاء بن سلمان واستحالة التعاون معه ! ، لنفترض أن بن سلمان هو الآمر بالقتل ، هل هذه الجريمة يمكن أن تكون مبرراً لشن هذه لحملة على السعودية وبن سلمان رغم أن العالم يشهد كما شهد ماضياً إبادات لمئات الصحفيين بواسطة مخابرات أمريكا وجيوشها وبواسطة غيرها واغتيل رؤوساء دول ووزراء وناشطين ولم يوضع شرط العزل لمن قتلهم !!! ، فهل خاشقجي أكثر قيمة من آلاف الضحايا وملايين المشردين ؟ ، الا يشاهد العالم الآن يومياً اغتيال عشرات الفلسطينيين والعراقيين والأحوازيين والسوريين واليمنيين والليبين بطريقة بالغة التحدي للرأي العام دون أي تعاطف غربي؟.
في التساؤل التالي نرى مخلب مخابراتي قوي جداً : هل مطلب إزالة بن سلمان سوف يفضي إلى انسجام النظام السعودي أم أنه وسيلة لإشعال صراعات بين أطراف العائلة السعودية التي بعد تحطم رابطة التفاهم السلمي الذي استمر عقوداً وهيمنت محلها عقلية إقصاء الآخر ولو باستخدام العنف ؟ ، أخطر ما في مطلب إزالة بن سلمان أنه اذا حدث سيكون اللغم الأخير الذي ينسف المركب السعودي كله لاستحالة إعادة اللحمة بين الأسرة الحاكمة وطغيان روح الانتقام من بن سلمان وهو ما يجعل الملك سلمان عاجزاً عملياً عن اعفاءه لأن أي بديل سوف يقوم بالانتقام عاجلاً أو آجلاً ، وتلك هي لحظة تفجير المركب السعودي وغرقه بالجميع.
5- لماذا اتخذ أكثر من تحدث من الكونغرس موقف العداء لبن سلمان والملك سلمان والسعودية بينما الإدارة اتخذت موقفاً معتدلاً ؟ ، إنه توزيع الأدوار بين أطراف العملية السياسية الأمريكية وليس اختلاف الاجتهادات والهدف واحد وهو وضع السعودية أمام الجلاد الرحيم الذي يقدم للضحية كأس ماء بعد جولة التعذيب بينما الجلاد الآخر يواصل التعذيب بلا أي استراحة أو تقديم قطرة ماء ، وفي هذه الحالة يجد الضحية أن الجلاد الرحيم يستحق المكافئة ، فتحصل أمريكا على أكثر مما أرادت أصلاً من مال.
6- قال ترامب أنه غير راض عما أعلنته السعودية ولكنه يصدقها !؟ ، لِمَ ترك ترامب المجال لاتهام السعودية بتناقض موقفه ؟ ، لأن المطلوب هو قيام ترامب بمزيد من الضغط للحصول على المال السعودي فالآن هو الجلاد الرحيم لكنه إذا شعر أن الضحية لا يريد تقديم المال المطلوب سيتحول إلى جلاد لا يرحم.
7- الغرب أيضاً قسم الأدوار فبعضه يرفض التفسير السعودي رفضاً واضحاً مثل ألمانيا ، بينما وزير المالية الفرنسي يؤكد بأنه يمكن الحفاظ على علاقاتنا مع السعودية رغم ما حصل ، وزراء أكثر من دولة واحدة تنتقد وتهاجم السعودية وآخرين يتبنون موقفاً معتدلاً يطالب بانتظار نتائج التحقيق ! ، هل ذلك أيضاً وسيلة لطمأنة الضحية المعدة للافتراس وجعلها لا تبادر لإنقاذ نفسها معتمدة على من أيّد أو تبنى موقفاً معتدلاً؟.
8- بالمناسبة ثمة أمر مهم جداً وهو أن جوهر الموضوع طبقاً للقوانين الغربية هو عدم توجيه اتهام إلا بعد توفر الأدلة وإنهاء التحقيق فلِمَ إذاً تتسابق أطراف أمريكية وأوربية الآن لتوجيه اتهامات قبل انتهاء التحقيقات التركية ولا نقول السعودية ؟ ، الجواب هو الملاحظات الواردة في أعلاه وأهمها إكمال متطلبات تحويل السعودية إلى عراق آخر وفلسطين أخرى.
تذكروا هذه هي لعنة اغتيال العراق ونتائجه الحتمية.
24-10-2018
留言