top of page
  • Writer's pictureAl Mujahid

الدكتور عبد الكاظم العبودي - الانتفاضة الجزائرية تتقدم بثقة نحو أهدافها المنشودة

- أمين عام الجبهة الوطنية العراقية -


الانتفاضة الجزائرية تتقدم بثقة نحو أهدافها المنشودة


أ. د. عبد الكاظم العبودي


تتقدم مسيرة ومطالب الحراك الشعبي في الجزائر بخطوات واثقة ، مؤمنة بقدرتها على التغيير السلمي الذي ينشده الشعب الجزائري ، وصارت مسيرات الحراك الشعبي تتجذر في عمقها واتساعها ، تتبناها أغلب القطاعات الشعبية ، انضمت إليها أبرز النخب الوطنية ، ومن كل الفئات والطبقات الاجتماعية .

تجلت قوتها المتصاعدة في تحدي الكثير من الصعاب خلال أيام الأسابيع الثلاث الأخيرة ، متجسدة بالخروج الجماعي والمكثف للمواطنين ، ولساعات طويلة ، شملت كل قرية ومدينة وولاية جزائرية من أقصى الساحل شمالاً حتى تخوم البوادي والصحراء العميقة .

وعلى مدى أيام الأسبوع ، ومن دون توقف ، استمرت المسيرات والتظاهرات والتجمعات الشعبية ، وليست مقتصرة في أيام الجمعة فقط ، كما يظن البعض ، فما بين كل جمعة وأخرى ، تخصصت التظاهرات وتنوعت وتجمعت بشكل طوعي وتلقائي وهادئ وسلمي ، حتى بلغت في الوصول إلى مستوى التنظيم المليوني ، في عديد المدن الجزائرية ، وأذهلت العالم في حسن تسييرها والسيطرة على الحشود والالتزام الصارم في ضبطها ، كما غطت المسيرات كل أركان وشوارع الجزائر بكل محافظاتها وولاياتها الكبرى وخاصة العاصمة الجزائرية .

تظاهرت القطاعات المهنية والنقابات الحرة والمجموعات غير المنخرطة في هياكل تنظيمية ، جنباً إلى جنب مع مجموعات النخب العلمية والأكاديمية ، وخرجت مجموعات هامة من الجزائريين في مظاهرات قطاعية ومهنية ، كلها كانت ترفع لافتات مطلبية باتت واضحة ومحددة الأهداف ، بدأت أولاً تدعو إلى رفض العهدة الرئاسية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، ثم بدأت ترفع مطالبها تدريجياً للوصول إلى سقف المطالب ، بتغيير النظام ، حيث أجمعت في انطلاقتها الأولى على رحيل النظام ، بشخص الرئيس ومجموعته ومقربيه ، وتداعت المطالب حتى إلى مطلب تغيير النظام برمته ، ومنها ما دعت إلى مكافحة الفساد الإداري والمالي .

إن أهم ما يطرح وسط هذا الزلزال الجماهيري الكبير هو التمسك بحماية وحدة واستقلال ومستقبل الجزائر ورفض التدخل الخارجي بأي شكل كان ، ومن أية جهة كانت ، حتى أن جولة وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة الجديدة رمطان عمامرة إلى عدد من الدول الأوربية وروسيا وتوجه الأخضر إبراهيمي إلى الصين ، رفضت شعبياً واتهمت النظام والوزير عمامرة بمحاولات تدويل الأزمة الجزائرية ، وهو ما يرفضه الحراك الشعبي بالمطلق .

ظلت المطالب تشدد على الحرص على المحافظة على مؤسسات الدولة وحمايتها من التخريب الذي قد ينالها ، كما حدث في بلدان الربيع العربي وتجاربها المرة ، دعت التظاهرات إلى الاحتراس الشديد ورصد الأخطاء ، والحفاظ على السلم الاجتماعي ، والتصدي لأي تدخل دولي في الشأن الجزائري ، ورصد الدعوات المشبوهة المطبوخة في الغرف السوداء ويروجها الذباب الالكتروني المشبوه لدفع الشارع إلى الصدامات الداخلية ، وبدوافع مغرضة يروج لها البعض داخل الحراك ، ويحاول استغلالها ، داخلياً كان أم خارجاً .

وقد تم تحييد قوى الأمن والشرطة التعامل الطيب مع الشارع ، وهي قد قابلته بالمثل ، وكان التخوف سائداً لدى قطاعات شعبية واسعة من جهاز الدولة العميقة ، فتبنت الجماهير خيار سلمية المظاهرات وعززت حميميتها المتآخية بين الجميع في الشارع والمؤسسات .

كما حرصت المؤسسة العسكرية الوطنية على تجنب اللجوء إلى استغلال الأوضاع المضطربة في البلاد ، فتحاشت الدفع بأجنحتها إلى استغلال فرص الانقلاب العسكري ، التي دعا إليها البعض ، ولكي تتفادى أخطار التدخلات الأجنبية ، وخاصة الفرنسية منها ، والأمريكية والغربية ، وتدخلات بعض الدول الخليجية من خلال بث إعلامها الخبيث ، الذي يوحي بدعم بعض أركان وإطراف من السلطة والنظام .

أغلب الشعارات يتم إقرارها وصياغتها والتعبير عنها بكلمات شعبية ، بسيطة وواضحة المقاصد ، وباللهجات الجزائرية الدارجة ، ومنها ما سمعت وهي مطعمة بكلمات وعبارات بالفرنسية ، وقد تجاوب الجمهور معها ورددها الشباب خاصة ، طالما أنها كانت صادقة ونابعة من تراث وألحان وغناء الفولكلور الشعبي الجزائري ، كما طعمتها أهازيج وألحان وهتافات أنصار الفرق الرياضية الجزائرية المعروفة في الملاعب ، ويتم ترويج الشعارات عبر الهتافات ، لحناً وصوتياً ونقلها عبر وسائط التواصل الاجتماعي لتصل إلى أسماع وجمهور واسع في بقية المدن الأخرى ، وحتى إلى الجاليات الجزائرية في الخارج .

يظل القاسم المشترك الأعظم لكل جمهور الانتفاضة والحراك الشعبي هو التركيز على وحدة الصف الوطني واعتبار حضور العلم الجزائري رمزاً للوحدة الوطنية ، والتمسك بتراث وثوابت ثورة نوفمبر 1954 والاعتزاز بأسماء الشهداء وتاريخ الثورة ، في بلد المليون ونصف المليون شهيد والافتخار بمآثر الجزائر الثورية والموقف من جرائم وتاريخ احتلال فرنسا المخزي في الجزائر طوال 132 عاماً .

تمكن إعلام الانتفاضة بصبر وإرادة وفعالية واستمرارية من كسر أطواق الحصار الإعلامي الدولي وحتى المحلي ، واختراقه بكل وسائل التواصل الاجتماعي ، وقد أوصل جمهور الانتفاضة صوته وصورته البهية الناصعة إلى كل دول العالم ، وبصورة شفافة وجميلة ، جمعت تعاطفاً واحتراماً عالمياً للشعب الجزائري ، فمن خلال صفحات الفيسبوك والنقل المباشر للمسيرات عبر الفيسبوك تم تسجيل وتوثيق ورصد ونقل كل أخبار الأحداث في كل المسيرات وبكل المدن ، ويوماً بيوم ، ولحظة بلحظة ، حملتها صور وتسجيلات الهواتف النقالة والكاميرات التلفزية الخاصة والعامة .

تشكلت خلايا إعلام الانتفاضة والحراك الشعبي ، عفوياً وتلقائياً ، مستندة على جهد وعمل ومواظبة مجموعات شبابية ، غير منتظمة بإدارة أو تنظيم مركزي يوجهها ، لكنها بدت أنها كانت متعلمة ومتمكنة من استخدام الانترنيت وتقنيات التواصل ، وهي تعمل دون مقابل ، متطوعة ، وعلى مدار 24/24 ساعة .

يشترك فيها ويغذيها فنانون وشعراء وكتاب وإعلاميون جزائريون ، منهم عملوا بأسمائهم الصريحة ، كي يكسروا حاجز الخوف والتردد ، وقد أنتجوا الكثير من المقاطع الصوتية البصرية وأفلام الفيديو ، التي تتسم بالسخرية من النظام ونقده اللاذع ، وتعرية بعض الأسماء والشخصيات ، التي وصفت بالفاسدة ، ووزعت تلك الشعارات المكتوبة تمت صياغتها بذكاء جزائري مبدع فعلاً ، وتناقلها الشباب بحضور فردي وجماعي لافت للنظر .

تواجدت واستمرت المظاهرات والمسيرات على مستوى المؤسسات وفي الشارع وفي مراكز المدن وخاصة أمام مقرات الولايات والسلطات المحلية والإدارية والمؤسسات ذات الصلة بالتظاهر ، كالمحاكم والمجلس الدستوري ومؤسسة التلفزيون الحكومي ومقرات المراكز الإعلامية الخاصة ، لدعوتها إلى المشاركة .

ضمت التظاهرات يوماً بعد يوم شخصيات جزائرية متميزة ، وقادة رأي ، ونخب علمية وأكاديمية وسياسية وكوادر معروفة ومحترمة ، شكلت بمجموعها هنا وهناك نخبة وطنية رصينة ، رافضة للنظام السياسي القائم وللحكومة ، ضمت أعداداً كبيرة ، حرصت على الظهور العلني ونقلت مشاهد ومواقف حضورها ومشاركتها على صفحات الفيسبوك ، حتى بلغت بتعدادها عشرات الألوف ، غالبيتهم من أعضاء نقابات المحامين والقضاة وأساتذة التعليم العالي والأطباء ومساعديهم والإعلاميين ، وكثير من المستقلين من الرجال والنساء ، وربات البيوت وبعض من نشطاء منظمات المجتمع المدني ، ومن مختلف الأجيال .

كما انضمت إلى الحراك المدني الشعبي قطاعات شبه حكومية ، ومنها قوى أمنية ، لم يمنعها ارتداء بزاتها الرسمية من النزول إلى الحراك ، مثل مصالح الحماية المدنية ، والجمارك ، كما انضم إليها أفراد من عناصر الشرطة والأمن العسكري ، وكم كان المشهد رائعاً وجميلاً ، عندما يحتفل الجميع بكل نهاية مسيرة أو تظاهرة ، بالمصافحة ، وبالقبل وتبادل الورود وتقاسم الخبز أو التمر أو الحليب وقناني المياه .

وهكذا باتت كل مسيرة ولها طقوس جميلة يصنعها جمهور أغلبه من الشباب يعد نفسه يوماً بعد يوم ببلوغ وتحقيق هدف نجاح وسلمية التظاهرات رغم كثافة حشودها ، كان الحرص على نظافة شوارع وأماكن التظاهر والمسيرات أن يعكس الجانب الحضاري بمبادرة الشباب على تنظيف تلك الأماكن .

لقد تراجع تماما ذلك الخوف والرهبة من السلطة ، وسار الناس بثقة في تظاهراتهم ، مستبعدين حدوث العنف أو احتماله في كل مسيرة ، وفي كل أرجاء البلاد وخارجها ، ووصل الأمر هالى أن كل فئات السكان التي ضمت عمال وفلاحين وكسبة وبطالين ومهنيين وربات بيوت ، وحتى العجزة ومن فئات مقعدة من ذوي الاحتياجات الخاصة تماهت بينهم كل الحواجز الفئوية والطبقية والثقافية والمستويات العليمية بوحدة شعبية تبشر بالخير للجزائر .

كما انضم إلى يوميات الحراك ، المعلمون وأساتذة الثانويات ومدربي المراكز المهنية والحرفيين ، وتبعهم في كل حالة ألوف من تلاميذ الثانويات ، وحتى بعض المدارس الابتدائية ، بحراسة من معلميهم والمشرفين عليهم ، كما شاركت قطاعات عمالية هامة ، منها تمردت على موقف النقابات المركزية التي عارضت بعضها الحراك ، وظهرت نقابات مستقلة ، بوزن كبي في فعاليات الحراك ، ومنها دعت إلى إضرابات في مؤسسات مهمة ، تشكل عصب الاقتصاد الجزائري كشركة النفط الوطنية ، سوناطراك ، وبعض المؤسسات النفطية والغازية ، وفي مؤسسات صناعة السيارات والغاز والطاقة ومعمل الصلب في الحجار بعنابة ، فنظمت بعض النقابات إضرابات رمزية ، قطعت فيها تواصل إنتاج البترول والغاز لبضع ساعات ، وهي بمثابة إنذارات بالتصعيد القادم ، إن لم تلبى المطالب الشعبية للحراك .

كما رفضت الجماهير بشكل واسع دعوات اللجوء إلى الإضراب العام والعصيان المدني ، طالما إن الحراك الشعبي ، من خلال مسيراته السلمية المتواصلة ، يتقدم بخطى واثقة نحو فرض قوته وإرادته ويجبر السلطة على الاستماع لمطالبه المشروعة .

وهنالك قطاعات عمالية تهدد ألان بإيقاف نشاط المطارات والموانئ والنقل العمومي ، إن اقتضى الأمر لذلك ، بعد استنزاف فرص الحوار مع السلطة ، وكلها ملامح حالة لتبلور وعي شعبي ناضج ومتحضر وينتظم يوما بعد يوم في هيئات قيد التأسيس وإعادة الهيكلة .

حذر الناس ومن جميع القطاعات يتركز على منع محاولات التلاعب بالحراك أو حرفه أو استغلاله لأية جهة أو جماعة ، والحذر أيضاً من التفاف السلطة على المطالب الشعبية أو تمييعها ، وكسب الوقت ، وهي في حالة تراجع واضح ، مشتتة الجبهات بمواجهة حراك شعبي موحد .

وثوقية الوعي لدى نشطاء الحراك تتعزز ، وتتسلح يوما بعد يوم ، وصارت واثقة بنفسها وبجمهورها أكثر وبإمكانية صدها لكل المناورات والمحاولات لإجهاض تصاعد الحراك ومنعه من تحقيق أهدافه المنشودة ، وهي تتقدم بأفكار ورؤى عدة وتقدم مبادرات عبر قنوات حوار وطني مطلوب تفعيله ، رغم انتظار الوقت الذي بات بطيئاً ، نظراً لحساسية الشارع وقلقه وخوفه من المجهول .

يشكل موقف الجيش الوطني الشعبي الجزائري حالة الأمل الضامن للحياد بين الجميع ، وللحفاظ على مكتسبات الشعب والدولة الجزائرية ، وصيانة وحدة الشعب الجزائري ، وعدم التفريط بالأمن والسلم المطلوب ، وقد حرصت المؤسسة العسكرية على إرسال رسائل مطمئنة لهذه الملايين المنتفضة في الشارع ، يؤكد ذلك عديد التصريحات المنسوبة للجيش ، ووعده كحامي استقلال الجزائر ، وتمسكه الصارم بعدم الانحياز لطرف ضد طرف آخر ، ويتعزز ذلك الأمل يوما بعد يوم إلى ميل الجيش نحو جهة الشعب الذي رفع شعار الإخوة مع الجيش والشرطة والدرك والقوى الأمنية من خلال هتاف الحراك الشعبي الهادر : ( خاوه ...... خاوه ) ، أي شعار الإخوة بين المدني والعسكري ، كما تمت مقاطعة دعوات رئاسة الحكومة الجديدة برئاسة بدوي ونائبه رمطان عمامرة ، ورفضت قطاعات وشخصيات هامة الحوار مع ممثلي الحكومة الجديدة ، وأفشلت أغلب القوى السياسية والاجتماعية مهمة السفير ووزير الخارجية الأسبق الأخضر إبرهيمي في محاولة إشرافه وتكليفه من قبل الرئيس تنظيم " الندوة الوطنية " التي وردت كوعد من الرئيس بوتفليقة بتنظيم الحوار بين كل الإطراف ، وقد برر المقاطعون للحوار مع الحكومة والرافضون للندوة الوطنية الموعودة أنها لا تعدو مجرد وعود من بطانة النظام ، ومن الرئيس المغيب ، والذي ستنتهي رئاسته في 28 نيسان / أفريل 2019 ، حيث تسعى الحكومة وعصب النظام الحاكم ، بكل الوسائل ، المماطلة وكسب الوقت .

ورغم استقالة حكومة أحمد أويحيى قد أقيلت رسمياً وجرى تكليف تشكيل حكومة بدوي ـ عمامرة التي لم تتشكل وتعلن بعد ، إلا أن الملاحظ أن الطاقم الحكومي المستقيل بحكومة احمد اويحيى لازال يداوم في الوزارات ، ومن الوزراء المقالين لازال هناك من يصدر التعيينات ويجري التنقلات والإعفاء لموظفيه وحسب هواه ، استثمار لربع الساعة الأخيرة من بقية فترة استيزاره .

كل الأمور تتعفن على وضع المستوى الحكومي والبرلمان بغرفتيه ، الذي ينتظر الحل ، وينعكس ذلك الوضع من خلال إعلان العديد من الاستقالات في قيادة ونشطاء الحزبين الحاكمين الرئيسيين ، حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي ، وهاهم يفاجئون الشعب الجزائري اليوم صباح الأربعاء 20 مارس/ آذار 2019 وعبر تصريحات متلفزة للمنسق المؤقت لحزب جبهة التحرير بوشارب وأحمد اويحيى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي ، وهما يعلنان ، كل على انفراد ، في ندواتهم الحزبية الدعوة إلى التحاق أحزابهما بالحراك الشعبي .

كل التوقعات تشير إلى تجاوز التظاهرة الرابعة المتوقعة في يوم 22 مارس/ آذار 2019 المقبل عتبة تعداد 28 مليون مشارك ، تنتظم داخل وخارج الجزائر ، وهي بمثابة استفتاء شعبي يزكي المطالب الشعبية ويدفع الحراك بخطوات واثقة نحو تغيير هام في الجزائر ، اختارته أغلبية فئات الشعب الجزائري وأسهمت في صنعه وصياغة مطالبه جموع الحراك الشعبي .

17 views0 comments
أكثر من مائة شهيد أغلبهم من النساء والأطفال في حادث غرق العبارة السياحية في جزيرة أم الربيعين بالموصل  
bottom of page