top of page

المفكر القومي صلاح المختار - عواطفونيا

  • Writer: Al Mujahid
    Al Mujahid
  • Jan 16, 2019
  • 7 min read

Updated: Jan 17, 2019

قيادي بعثي عراقي


عواطفونيا : مفتاح مقابر اللاعقلانية


صلاح المختار

تذكروا حسنات موتاكم ( مثل عربي )


مقابلة الدكتور ضرغام عبد الله الدباغ مع قناة الفلوجة حظيت بردود أفعال متباينة ولكنها في الإطار العام كانت ممتازة وسلطت الأضواء على حقيقة البعث التي حاولت جهات عديدة تشويهها ، ولهذا قررت التعليق على التعليقات وليس على ما قاله د. ضرغام ، بعض من علق كان غارقاً في عواطفه السياسية فأغرق الحاضر بمياه ملوثة بالدماء من ماض كان يجب أن يبقى مطموراً ، هذا البعض كان مجبراً وهو أسير عاطفة سياسة جامحة أن يرى فقط ما يريد رؤيته ويزيل من لوحات الأحداث كل ما لا يريده ! ، وهذه هي عواطفونيا بالضبط : إنها خلل مدمر لذات الشخص قبل غيره لكنه لا يكتشف ما لحق به من دمار إلا بعد فترة يصبح الندم فيها غير مجد . وكان موضوع المرحوم فؤاد الركابي من بين أبرز ما تناولته التعقيبات والتي تميز بعضها بتلك الانتقائية الملعونة ! ، والسؤال الذي أخذ يكبر معي كلما زاد وعيي هو : لِمَ يُصاب الإنسان بداء الانتقائية ؟ ، وربما السؤال الأهم هو : ما هي نتائج هذه النظرة الانتقائية على ممارسها أو على من يدافع عنهم ؟ .

وقبل تناول التفاصيل لابد أن أُؤكد بأنني أحترم الدور التاريخي للمرحوم فؤاد الركابي في بناء البعث في العراق وأترحم عليه وأعتبره من ضحايا الصراعات غير المبررة ، لكنه ، وهذا ما يجب الانتباه إليه ، ليس ضحية بلا دور لعبه كي يصل إلى ما وصل إليه ولم يأخذه أحد من داره بدون فعل مسبق منه ، وهذا ما تجاهله بعض من علق رغم الأهمية الأخلاقية له وما تفرضه الضرورات الموضوعية من عرض الموقف بكافة مكوناته ، كما أن المعلق تجاهل عمداً حقيقة يعرفها جيداً ، وهي ، الركابي ليس الضحية الوحيدة فمعه ضحايا كثر منهم أنا ، حيث كنا أيضاً ضحايا لنظام كان المرحوم فؤاد الركابي أحد رموزه السياسية الأساسية ولهذا فإن ما جرى لضحايا نظام عارف يتحمله كل من شارك فيه .

الذين يترحمون على السيد فؤاد الركابي يترجمون أخلاقيات راقية لشعب ينهي العداوة والخلاف بالموت لأنه طوى صفحة من رحل ويجب الكف عن نبش ماضيه وتذكر حسناته ، والمثل العربي يقول ( تذكروا حسنات موتاكم ) ، ولكن هذه الأخلاقية لا تقتصرعلى هذا المكون فقط بل فيها مكون أهم وهو أنك حينما تترحم على شخص ما عليك تجنب ربطه بالإساءة لغيره خصوصاً إذا كان من يساء إليه ميتاً أيضاً ، إزدواجية امتداح ميت والإساءة لميت آخر في نفس الوقت عيب أخلاقي كبير لأنه ليس سوى نبش للقبور وهي عادة مذمومة جداً ، وفي هذا السلوك إساءة ، متعمدة أو غير متعمدة ، لمن كان موضع مديح المعلق ، لأن نبش القبور يجبر الطرف الآخر على عرض الحقيقة كاملة ، فهل فكر بذلك من قام بمديح الراحل الكبير فؤاد الركابي وأساء لراحل آخر هو الآخر يستحق تذكر محاسنه وهو الشهيد صدام حسين ؟ .

ولكي نعيد دفن القبور التي نبشت لابد قبل ذلك من معرفة ما جرى فعلاً : المرحوم فؤاد الركابي كان أمين سر القطر العراقي لحزب البعث العربي الاشتراكي في فترة ما ، وهذا أمر معروف ونحن نكن الاحترام لتاريخه ولكل من ساهم في تأسيس البعث في العراق أو خارجه ، ولكننا أيضاً نتوقف عند انفصال قادة عن الحزب وتبني بعضهم مواقف عدائية له ، بعكس ما فعلته أغلبية القادة الذين انفصلوا عن الحزب والتزموا بعدم تشكيل تنظيمات تعمل ضده ، و المرحوم الركابي قام بتشكيل تنظيم عمل علناً ضد الحزب ! ، الكتل النخبوية الناصرية ومنها كتلة الركابي أخذت تعمل لإسقاط نظام البعث بعد استلامه الحكم في عام 1963 وشاركت عبد السلام عارف في إسقاطه وكانت النتيجة إعدام بعثيين بطريقة لا إنسانية كما حصل مع الشهيد ممتاز قصيرة الطالب البعثي في كلية الطب الذي أعدمه نظام عارف أمام مدخل كلية الطب مع كوكبة من مناضلي البعث أعدمها وهذه واقعة معروفة وثابتة .

وقام نظام عارف بشن حملات اعتقالات متتالية على مناضلي البعث وتعرضوا فيها للتعذيب البشع ، ولعل ما قام به الضابط في الأمن المجرم " عز الدين لافي " مثال واحد فقط لمئات الأمثلة عن الاضطهاد الذي تعرض له البعث : فلقد قام هذ الضابط ، وكان المدير العام للأمن وقتها ضابط ناصري اسمه " رشيد محسن " ، وهو من نفس الكتل التي عمل معها المرحوم فؤاد الركابي ، قام " عز الدين لافي " بعمل فظيع لم يكن مألوفاً في العراق حتى ذلك الوقت وهو عدم الاكتفاء بتعذيب البعثيين ، وأنا أحد الذين عذبوا في الأمن العام على يد عز الدين لافي ، بل قام بسحل بعض المعتقلين في شارع فلسطين بعد ربطهم بسيارة لإجبارهم على الاعتراف ضد الحزب ! ، والأشنع هو قيام عناصر الأمن باغتصاب أحد كوادر البعث بأمر من عز الدين لافي ، لهذا كان رد فعل الحزب قوياً ومباشراً وهو تصفية عز الدين لافي جسدياً .

والسؤال الذي لا يمكن تجاهله هو : هل كان الركابي بريئاً من نظام قام بكل تلك الجرائم البشعة ؟ ، الحقيقة التي يجب أن نُذكّر بها رغماً عنا هي أن الركابي كان أحد رموز نظام عارف ولم يعترض على الاعدامات ولا حملات تصفية الحزب ! ، ألا يثبت الصمت أن من صمت كان موافقاً على ما جرى ؟ ، وماذا ينتج عن اعتقالات وتعذيب واغتصاب من ردود أفعال لدى الضحايا ورفاقهم ؟ ، الرغبة في الانتقام لدى البعض . هذا الاضطهاد ترك أثراً سلبياً لدى عموم البعثيين ويمكن أن يتجاوز الأثر حدود الإدانة ويصل حد القيام بأعمال انتقام فردية ممن كان في نظام عارف ! ولا يشترط هنا أن يقوم بذلك من تعرض مباشرة لتلك الحالة اللاإنسانية بل كان متوقعاً أيضاً أن يقوم رفاق لهم بعمليات انتقام لا صلة للحزب بها ، ومقتل المرحوم فؤاد الركابي في سجنه عمل مدان دون شك ولكن هل يوجد دليل على أن قيادة الحزب هي من أمرت بذلك ؟ ، أم أن شخصاً ما ولسبب ما مازلنا نجهله قد يكون الانتقام من نظام عارف دافعه للقيام بتلك الجريمة ؟ .

ولكي تكون الصورة أوضح لابد من التذكر بموقف النظام الوطني من كل من تراجع عن معاداته فأغلق صفحة الماضي وعامله باحترام وضمن له كافة حقوقه المادية والاعتبارية ومثال المرحوم علي صالح السعدي ، وهو أيضاً كان أمين سر قطر العراق ، يقدم الدليل على ذلك فهو لم يعاقب بعد عودته للعراق بل تبنى النظام الوطني موقفاً أخلاقياً ووطنياً تجاهه وعرض عليه وظيفة سامية وأرسله للعلاج إلى لندن رغم أنه قاد أخطر انشقاق في الحزب حتى ذلك الوقت بينما الركابي لم ينجح في شق الحزب وعزل فور فصله منه : فلم يصفي الحزب الركابي ولا يصفي السعدي ؟ ، الجواب لأن السعدي ترك معاداة البعث بينما الركابي أُلقي القبض عليه وهو يعمل ضد النظام .

وهكذا ترون أن فتح الملف كاملاً نتيجة الاستفزاز الانتقائي يفضي إلى حالة أخطر وهي إجبار الطرف الآخر على إبراز الجزء الذي تعمد من امتدح الركابي إخفاءه وهو الأسباب التي أدت إلى إلحاق أذى بالراحل في فترة ما وهل كان ذلك نتيجة عدوان أم رد عدوان ؟ ، أُكرر القول : أنا ضد أي فعل انتقامي عاطفي ومنه ما جرى للمرحوم الركابي ولكن كيف يمكن لإنسان عادي وطبيعي أن يتصور أن أحداثاً وقعت في أجواء توتر وصراعات دامية أن لا تترك أثراً وتخلق رد فعل مناف للقانون والضمير أحياناً ؟ . عندما أتذكر ما فعله " عز الدين لافي " وعصابته الإجرامية لا أتذكر وجه " لافي " فقط بل أتذكر الذي أمره وهو العقيد " رشيد محسن " رفيق الركابي في الكتل الناصرية ، وأتذكر عبد السلام عارف رئيس النظام الذي منح رشيد محسن صلاحيات التعذيب والاغتصاب ، واتذكر كل رموز النظام العارفي الذين كانوا يمارسون حياتهم بفرح بينما كان في سجونهم آلاف البعثيين يتعرضون للتعذيب والموت والاغتصاب .

بالتذكر الانتقائي لجزء من التاريخ وإخفاء الجزء الآخر قام البعض بفتح الأبواب التي كان يجب أن تبقى مغلقة بالاكتفاء بذكر محاسن موتانا دون التجريح بموتى آخرين لهم رفاق واجبهم الأخلاقي يجبرهم الرد بذكر الحقيقة كاملة وهي تكشف أن من وصف بالضحية لم يكن ضحية إلا في لحظة قتله ولكنه كان مع الجلاد والقاتل والمعذب في فترات سابقة محرضاً على البعثين ! ، فهل هذه الطريقة تفيد الضحية ؟ .

وثمة ملاحظة بالغة الأهمية ، هي ، إن ما حصل بين عامي 1963 و1968 من أحداث كان البعث ضحيتها توضح الكثير من أسباب مقتل المرحوم الركابي وإن كانت لا تبرر ذلك ، فبعد نضال شاق وتضحيات غالية قدمها البعث في سجون الديكتاتور الشعوبي قاسم نجح البعثيون في إسقاط نظام قاسم بعملية ثورية وانقلابية في 8 - 2 - 1963 ، وبسبب وفاء البعثيين وحرصهم على جمع كل القوميين العرب معهم اختاروا المرحوم عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية رغم أنه لم يكن يعلم بتلك الثورة وكلف الحزب المرحوم الرفيق عدنان القصاب بالذهاب إلى بيته لجلبه إلى الإذاعة بعد تفجير الثورة ، ولكن ماذا فعل عارف ومعه كتل عسكرية ومدنية تنتمي للتيار الناصري ؟ .

بدل الاعتراف بدور البعث في إسقاط قاسم ورغبته في توحيد الصف القومي العربي في العراق رد عارف ومن معه على البعثيين بتدبير انقلاب عسكري دموي يوم 18 -11- 1963 والبعث لم يمضي أكثر من تسعة أشهر في الحكم ، فجاء إسقاط النظام من شخص نصبه البعث رئيساً وهو لم يساهم بأي دور في إسقاط قاسم !!! . لقد تأمر عارف ومعه شخصيات ناصرية واقنعوا ضباطاً بعثيين بأنهم يريدون فقط حل الحرس القومي فأُسقطت أول تجربة للبعث وهو لم يمضي أكثر من 3 أشهر وكان الضرر الأكبر ليس إسقاط النظام بالغدر فقط بل لأنه حرم البعث من تطبيق خططه وأهدافه . وبعد أن عاد البعث للحكم في عام 1968 بثورة بيضاء وكان شعاره الأول غلق صفحة الماضي كله وإقامة جبهة شاملة مع الجميع ، ولكن مع الأسف واصلت أحزاب وكتل العمل لإسقاط نظام البعث مرة أُخرى ، وأُلقي القبض على الركابي وهو يعمل على إسقاط النظام ولم يعتقل انتقاماً منه لدوره في الحكم العارفي ، وفي السجن كان هناك سجيناً آخراً قام بقتله فهل يمكن الجزم بأن ذلك الحادث كان قراراً مركزياً أم أنه انتقام فردي ؟ .

وما يجب أخذه بنظر الاعتبار من الناحية النفسية هو التالي : إذا كان البعث تعرض للاعدامات والاغتصاب على يد نظام عارف وهو لم يرتكب أي جريمة أو عمل مشين ضد الناصريين فهل سيضمن إسقاط نظام البعث بعد عام 1968 حياة البعثيين وأُسرهم ؟ ، ألا يفضي إسقاط النظام إلى منعه من تحقيق التغييرات الاجتماعية والاقتصادية المطلوبة لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء عراق قوي وهو ما فعله البعث فعلاً بعد أن حقق الاستقرار الأمني . إن الدفاع عن نظام الحزب وهو يخوض معارك مصير مع قوى محملة بالأحقاد والثارات جعله يرد بقوة وحزم لأجل إنهاء مصادر الخطر عليه وعلى العراق .

العاطفة غير المنضبطة بقوة الضمير ملعونة فمن أدان قتل المرحوم الركابي كان على حق ، لكنه نكأ جراحاً بفتحه مقابر كان يجب أن تبقى مغلقة احتراماً لمن دفن فيها حينما هاجم النظام الوطني وهو هنا على باطل ، فلنتعلم الأخلاق بكل جوانبها وليس في جانب واحد منها ولنكبح جماح العاطفة لأنها ليست نبيلة دائمة . ورغم أنني أعرف أن عدد من علق سلبياً على مقابلة الرفيق ضرغام ليس كبيراً ، إلا أنني أعرف أكثر أن التفكير بالعاطفة مرض كثيرين هو ما دفعني للكتابة لطرح آثارها النفسية والاجتماعية الخطرة .

Almukhtar44@gmail.com

15-1-2019

Opmerkingen


أكثر من مائة شهيد أغلبهم من النساء والأطفال في حادث غرق العبارة السياحية في جزيرة أم الربيعين بالموصل  
bottom of page